05 December, 2018

البيئة الحاضنة للشركات التقنية الناشئة في السعودية قد تكون في مهدها، لكنها تتطوّر بوتيرة متسارعة لدعم النمو الاقتصادي



على الرغم من كونها السوق الأكبر على مستوى مجلس التعاون الخليجي من حيث عدد السكان وإنفاق المستهلكين، إلا أن البيئة الحاضنة للشركات التقنية الناشئة في السعودية تعتبر حديثة العهد مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة. وتشكّل الشركات الصغيرة والمتوسطة نسبة ضئيلة من النشاط الاقتصادي في المملكة، حيث تساهم بنحو 20% في إجمالي الناتج المحلي. وتبلغ نسبة البطالة بين السعوديين حوالي 12.8%، لكن الشباب - الذين يشكلون حوالي نصف السكان البالغ عددهم 32 مليون نسمة - يواجهون تحدياً أكثر صعوبة، لا سيما وأن القطاع العام قد أصبح مشبعاً، وهو الذي كان على نحو تقليدي الجهة الرئيسية لتوظيف خريجي الجامعات.

نشرت "ومضة" تقريراً جديداً بالتعاون مع OC&C للاستشارات الاستراتيجية، وقد شاركت نتائجه خلال فعاليتها البارزة للتواصل وتبادل الخبرات "مكس أند منتور" في الرياض. بتكليف من "جوجل"، جاء التقرير بعنوان "البيئة الحاضنة لريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية" ليسلط الضوء على حالة البيئة الريادية، والتحديات والفرص أمام الشركات الناشئة في المملكة العربية السعودية. وأقيمت الفعالية مؤخرا في فندق حياة ريجنسي الرياض العليا، وجمعت نخبة من رواد الأعمال والخبراء المتخصصين والمستثمرين وغيرهم للتركيز على القضايا ذات الصلة بالبيئة الحاضنة للشركات الناشئة في السعودية. 

تضمّنت قائمة المشاركين في الحدث، كلاً من: سليم إده، رئيس قسم السياسات العامة والعلاقات الحكومية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "جوجل"؛ ونجود المليك، مدير عام "فنتك السعودية"؛ وسلمان السحيباني، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "مرني".

وانطلقت فعاليات الحدث بكلمة ألقاها وليد فزع، الشريك في "ومضة"، استعرض خلالها المحاور والنقاط الرئيسية للتقرير، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي تتنامى فيه ريادة الأعمال، فإن عدد الشركات الناشئة التي تم إطلاقها في المملكة العربية السعودية في تزايد؛ ولكن ليس هناك منظمات دعم كافية مثل مسرعات الأعمال، وبرامج التوجيه المهني، ومساحات العمل المشتركة لتلبية متطلباتها. 

قال فارس غندور، الشريك في "ومضة": "باعتبارها أكبر اقتصاد في المنطقة، نرى إمكانات ضخمة في المملكة العربية السعودية؛ فهي سوق جذابة للأعمال الناشئة والشركات على حد سواء. ونظراً لأنها لا تزال تعتمد بقوة على قطاع النفط، يجب على المملكة أن تفكر باستمرار في كيفية تعظيم إمكاناتها لريادة الأعمال وتسخيرها كمصدر جديد للنمو الاقتصادي والتوظيف". 

وأضاف: "بالرغم من ازدياد الدعم الحكومي وتبديد الحواجز التنظيمية، ما زال من الممكن القيام بالكثير لتسهيل وصول البيئة الحاضنة إلى إمكاناتها الكاملة. وتطمح الفعاليات مثل "مكس أند منتور" لجذب أهم اللاعبين والمؤثرين في البيئة الحاضنة من أجل التواصل والتعاون، والمساهمة في تعزيز مجالات التعاون في عالم ريادة الأعمال".

مع تطور ونمو البيئة الحاضنة، يمكن للشركات الناشئة أن تحد من اعتماد المملكة على قطاع النفط.

من جانبه، قال سليم إده: "لا يمكننا التغاضي عن حقيقة أن قطاع التكنولوجيا يعتبر قطاعاً يتغير بسرعة كبيرة جداً. واليوم، لا تعد التقنيات الرقمية مجرّد أداة ولا مسرّعاً؛ فهي تغيّر من قواعد اللعبة، كما أنها ترسم استراتيجيتك".

مع بدء الدعم الحكومي ودخول المبادرات التي تم إطلاقها خلال العامين الماضيين حيز الـتنفيذ، من المتوقع أن تـزدهر ريادة الأعمال. ويعتقد إده أنه من الضروري أن تتماشى ما تقدمه الشركات الناشئة مع احتياجات وديموغرافية الشباب مع إدراك أن الهاتف المتحرك جزء لا يتجزّأ من حياتهم اليومية. 

ووفقاً للتقرير، فإن أي بيئة تقنية حاضنة ذات مقومات صحية وسليمة تعتمد على مجموعة كبيرة من المؤسسين المؤهلين والموظفين الذين يتمتعون بمهارات مميزة في تطوير التكنولوجيا وتحفيز ريادة الأعمال. ويتمثّل التحدي الرئيسي الذي تواجهه المملكة العربية السعودية في نقل المواهب إلى القطاع الخاص والشركات التقنية الريادية. وتتطلب حملة تشجيع التوظيف في القطاع الخاص، وخاصة الشركات الريادية، تحوّلاً جذرياً في عقلية الشباب ومجتمعاتهم أيضاً.

وفي الوقت الحالي، يميل القطاع إلى أن يكون مستهلكاً أكثر من كونه مبتكراً للتقنيات الرقمية. كما أن غالبية الشركات الناشئة التي تأسست في المملكة العربية السعودية تعمل في مجال تقديم البرمجيات كخدمة (SaaS)، أو في التجارة الإلكترونية، بينما تقدم الشركات الناشئة لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (KAUST) حلولاً تكنولوجية أكثر تطوراً. 

رغم عدم وجود صفقات بيع كبيرة للشركات بقيمة تزيد عن 100 مليون دولار أميركي، شهد القطاع تقدماً ونشاطاً ملموساً. وهناك التزام سياسي قوي جداً بتطوير قاعدة صلبة للعلوم والتكنولوجيا والابتكار في المملكة العربية السعودية، ونتيجة لذلك تنامى الدعم الذي تحظى به البيئة التقنية الحاضنة.

وأنشأت السلطات المعنية في المملكة "صندوق الصناديق" الاستثماري بقيمة مليار دولار أميركي إلى جانب برامج تمويل أخرى، وفي السنوات الثلاث الماضية، شهدت المملكة طفرة في مسرعات وحاضنات الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا، حيث أن العديد من الدوائر الحكومية والمنظمات غير الربحية تدعم رواد الأعمال السعوديين بصورة مباشرة وغير مباشرة. وتضم المملكة العربية السعودية أكثر من 40 حاضنة للأعمال والعديد من برامج المسرعات، نصفها يرتبط بشكل ما بالحكومة.

قالت نجود المليك: "نرى بكل تأكيد الفرص التي جعلت من الهيئات التنظيمية تولي اهتماماً بالقطاع نفسه. وبدورنا، نُبدي اهتمامنا فيما يدور حول القوانين واللوائح، وسهولة ممارسة الأعمال".

وخلال الجلسات النقاشية مع الموجهين الذين تضمّـنوا ممثلين من الدوائر الحكومية والقطاع الخاص، طرحت الشركات الناشئة تحدياتها. وشملت القضايا المشتركة زيادة الاستثمار التأسيسي، واجتذاب المواهب، وغياب التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية وهيئات الترخيص، وكذلك السلطات المعنية.

قال إده: "من الواضح أن المملكة العربية السعودية تمتلك كل المقومات، لكن كل منها ينتظر الآخر، ولا يحرز أي منها تقدماً. حيث أن على جميع الجهات الرسمية التواصل فيما بينها والتعاون لإحراز التقدم المرجو منه بهدف خلق فرص المستقبل". 

بالنسبة إلى سلمان السحيباني من شركة "مرني" - وهو تطبيق لخدمات المساعدة على الطريق - يجب أن يكون هناك دعم أكبر للشركات الناشئة في مختلف مراحل النمو. وقال: "أصبح الأمر أسهل بكثير لرواد الأعمال اليوم لتحديد ما يريدون. ولا بد أن يكون هناك دعم في كل مرحلة، وليس مجرد التمسك بالمجموعة نفسها من الحلول وتطبيقها على الجميع". 



ومع التركيبة الحيوية والشابة للسكان، تمتلك المملكة العربية السعودية القدرة على بناء وتنمية اقتصاد معرفي تنافسي. ونظراً للموارد الوفيرة والديناميكيات القوية للسوق في المملكة، فإن البيئة التقنية الحاضنة لريادة الأعمال يمكنها أن تقود الثورة غير النفطية، وأن تصبح قوة إقليمية.
=