بقلم ريتشارد دالاس، مدير عام الملكية الخاصة في "جلف كابيتال"
من المتوقع أن يتمكن قطاع الملكية الخاصة والاستثمارات المؤسساتية المباشرة في الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية من لعب دور هام في الإيفاء بجزء هام من الفجوة الكبيرة الحاصلة حالياً بسبب تأثير الأوضاع الاقتصادية العالمية وعدم الاستقرار في بعض بلدان المنطقة، وأن يلبي هذا القطاع حصة أكبر من احتياجات التمويل لدى الشركات الإقليمية، بحسب خبراء الملكية الخاصة العاملين في المنطقة.
وقد صرح ريتشارد دالاس، رئيس رئيس إدارة الملكية الخاصة في "جلف كابيتال"، إحدى أبرز وأنشط شركات الملكية الخاصة في منطقة الشرق الأوسط، "أن الملكية الخاصة أصبحت من الخيارات الرائجة لدى المستثمرين في كل أنحاء العالم. ولأن العالم بات أكثر ارتباطاً ببعضه البعض، فإن المستثمرين يوسعون وينوعون استثماراتهم باتجاه الأسواق الناشئة، بما في ذلك المنطقة العربية، بحثاً عن عائدات أعلى من تلك التي قد تتوفر في الأسواق الأكثر تطوراً والتي قد تعاني من الركود أو من نمو اقتصادي بطئ. وباتت الشركات والمستثمرون يدركون الإمكانيات التي تتسم بها هذه المنطقة كمنطقة واعدة للاستثمار المتنامي.
شهدت المنطقة إصلاحات هيكلية في السنوات الثلاثين الماضية كانت ضرورية لدعم النمو الاقتصادي لقاعدة سكان متنامية وشابة. وقد أسهمت هذه الإصلاحات في الارتقاء بمستوى الحوكمة كما شجعت سكان المنطقة على المشاركة في الاقتصاد من خلال الحوافز المالية الحكومية، وبالأخص في الدول المنتجة للنفط التي تتمتع بسيولة وفيرة. وهذا بدوره أدى إلى بروز بيئة استثمار أكثر استقراراً بالنسبة للمستثمرين المحليين والعالميين كما فتحت المجال لفرص استثمار جديدة. وقد أرغم الربيع العربي في الآونة الأخيرة الحكومات على تسريع وتيرة الإصلاحات التي تشجع الشفافية في القطاعين الحكومي والخاص من أجل تعزيز ثقة المستثمرين وخلق فرص جديدة للاستثمار.
ومع هذا كله، فرؤوس الأموال المتاحة لدعم مبادرات الاستثمار الجديدة هذه في الأسواق الناشئة لا زالت محدودة نسبياً. فوفقاً لتقرير "الاستقرار المالي العالمي" الصادر في أكتوبر 2012 عن صندوق النقد الدولي، فإن إجمالي مجموع الأسهم والسندات والأصول المصرفية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يبلغ حوالي 94% من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى والمعدلات المتوسطة العالمية البالغة 175% و366% على التوالي. وعليه، وفي أغلب الأحيان، فإن موارد التمويل التقليدية ليست متوفرة بسهولة لدعم نمو احتياجات الشركات.
ويتابع ريتشارد دالاس قائلا: "نظراً للركود الاقتصادي العالمي الأخير وكذلك الغموض الناتج عن أحداث الربيع العربي، أصبح من الأصعب الحصول على التمويل من المصارف المحلية وأسواق رأس المال، خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. فالمؤسسات المالية الإقليمية تتردد في تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وللمؤسسات الأخرى التي تحتاج لهذه المديونية من أجل النمو. والسيولة من أسواق البورصة الإقليمية لم تستعد بعد معدلاتها السابقة كما أن أسواق الاكتتاب تعاني من قلة الإصدارات الجديدة وأحجام المتاجرة في الأسواق الثانوية تظل متذبذبة. ومن إجمالي إصدارات الأسهم الأولية البالغة 50 مليار دولار أميركي منذ عام 2005، حوالي 11% فقط تم جمعها في السنوات الثلاثة الماضية. في ظل هذه البيئة، يستطيع قطاع الملكية الخاصة أن يفي بجزء هام من فجوة التمويل الكبيرة وأن يلبي حصة أكبر من احتياجات التمويل لدى الشركات الإقليمية."
ويؤكد ريتشارد دالاس أن آليات عمل الملكية الخاصة في المنطقة تختلف عنها في بعض الأسواق العالمية، ويشرح بقوله: "تتكون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الغالب من الشركات العائلية ولذا فإن تطبيق نموذج الملكية الخاصة يختلف نوعاً ما عن النموذج المطبق في الغرب. والعائلات أصبحت أكثر إدراكاً للقيمة الإضافية التي تستطيع الملكية الخاصة أن تقدمها لشركاتها، وذلك مع ازدياد معرفتها بما قد تقدمه الملكية الخاصة لتلبية احتياجاتها التمويلية وتوفيرها قدرات استراتيجية لإعادة هندسة أعمالها لتتمكن من الانتقال إلى المرحلة التالية من دورة نموها."
ثم يضيف: "إن قطاع الملكية الخاصة في منطقة الشرق الأوسط يتطور انطلاقاً من قاعدة دنيا، وبالتالي هناك إمكانيات هائلة للحاق باقتصادات ناشئة أخرى مثل البرازيل والصين. في عام 2011 كانت استثمارات الملكية الخاصة قد وصلت إلى 0.01% من إجمالي الناتج المحلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقارنة بـ 0.10% و0.14% بالنسبة للبرازيل والصين على التوالي. أما في الأسواق المتطورة مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، فقد تجاوزت استثمارات الملكية الخاصة 1% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2010. وقد نجحت مؤسسات الملكية الخاصة في أنحاء المنطقة في جمع الأموال للاستفادة من الفرص الكثيرة ولكن التحدي الحقيقي يكمن في استشفاف الصفقات وتعزيزها وإغلاقها إضافة إلى تنفيذ عمليات تخارج ناجحة في نهاية المطاف. وتعتبر "ماريتايم إندستريال سيرفيسيس" (“MIS”) مثال جيد على مثل هذه العملية حيث استثمرت "جلف كابيتال" في هذه الشركة واحتفظت بها لمدة خمس سنوات مضيفة القيمة لأعمالها قبل اتمامها صفقة بيع ناجحة لمشتر من نفس القطاع هو شركة "لامبريل" المدرجة في بورصة لندن. وخلال فترة امتلاك "جلف كابيتال" للشركة، ارتفعت إيرادات وأرباح MIS 203% و184% على التوالي."
إن صفقات الملكية الخاصة التي تم إغلاقها متنوعة من حيث التوزيع الجغرافي في كل أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولكن غالبية الصفقات تتركز في بلدان قليلة فقط. فالإمارات العربية المتحدة التي يقطنها مواطنون ووافدون يتمتعون بمعدلات إنفاق عالية وهي تعتبر من أكثر الدول استقراراً وتطوراً في المنطقة، شهدت أعلى نسبة من نشاطات الصفقات، يتبعها دول ذات كثافة سكانية عالية مثل مصر والمملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أن استثمارات الملكية الخاصة منتشرة في عموم المنطقة العربية، إلا إن 50% من هذه الاستثمارات منذ عام 2005 كانت في هذه الأسواق الرئيسية.
غالباً ما يستهدف مدراء الملكية الخاصة في المنطقة القطاعات الدفاعية التي تلبي الاحتياجات الأساسية للسكان مثل الرعاية الصحية والتعليم والطاقة. وقطاع الرعاية الصحية قطاع يشهد استثماراً متزايداً مدعوماً بالطلب المتنامي وقدرات الإنفاق على الخدمات والمنشآت. ويشهد القطاع تحولاً في مجال المرضى اللذين كانوا في السابق يسافرون إلى الغرب بحثاً عن العلاج. فعوضاً عن ذلك، هم باتوا يقصدون المنشآت الطبية المتطورة في المنطقة. كما تتوفر فرص لتقديم الخدمات ذات الصلة في مجال التجزئة والأغذية. وتستفيد الاستثمارات في هذا القطاع من المستهلكين المقيمين في المنطقة والذين لم يتأثروا بالركود الاقتصادي بنفس تأثر الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. هؤلاء المستهلكون لا زالوا يسجلون معدلات إنفاق مرتفعة خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي التي تلقى دعماً إقتصادياً قوياً من الحكومات المحلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشركات تعكف مؤخراً على البحث عن شركات متخصصة في الخدمات والتي لديها إمكانيات نمو مرتبطة بالمنطقة.
من القطاعات الرئيسية الأخرى التي كانت وستستمر في كونها عنصراً هاماً في الإنفاق الحكومي والخاص على الاستثمار، قطاع النفط والغاز حيث تم إنفاق حوالي 500 مليار دولار أميركي على هذا القطاع بين عامي 2008 و2012. وهذا الاتجاه نحو الإنفاق لا يبدو أنه سيتوقف حيث يتوقع أن يتم إنفاق 480 مليار دولار أميركي في السنوات الأربعة القادمة. في حين أن غالبية قطاع التنقيب والإنتاج يقع في دائرة اختصاص شركات البترول الوطنية، مثل شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وأرامكو السعودية، إلا أن هناك فرصاً كبيرة لأموال الملكية الخاصة لتقديم الخدمات المرتبطة بهذا القطاع لدعم تلك الشركات الوطنية. وهذه الفرصة تصبح أكبر نظراً للبنى التحتية القديمة، حيث أن العديد من حقول البترول على اليابسة والحقول البحرية تحتاج إلى صيانة متزايدة كما هناك حاجة لمنشآت جديدة للحفاظ على معدلات الإنتاج المستهدفة أو رفعها.
لقد قامت "جلف كابيتال"، وهي إحدى شركات الاستثمار البديل الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالسعي للاستثمار الفعال والنشط في هذا القطاع بشرائها حصة أغلبية في شركة تختص بخدمات حقول البترول، وهي شركة "جلف مارين سيرفيسيس" ("GMS")، وتنميتها حتى أصبحت أحد أكبر المشغلين المستقلين لمركبات الدعم ذات الرفع الذاتي في منطقة الخليج العربي. ومنذ شرائها في عام 2007، وبفضل إدارتها الجديدة القوية وتوجيهات الشركة الراعية لها، استطاعت GMS أن تنشئ أسطول قوي بالغ التطور مما أدى إلى استقطابها قائمة من العملاء الهامين في حين شكل هذا الأسطول منصة انطلاق لتحقيق المزيد من النمو في الأسواق العالمية. وأفضل برهان على ذلك توسع أعمال الشركة مؤخراً نحو جنوب بحر الشمال.
يقول ريتشارد دالاس : "من الطبيعي أن تتوخى الملكية الخاصة الحذر في استثماراتها الجديدة بعد الربيع العربي والأزمات المالية. وقد ركزت شركات الملكية الخاصة اهتمامها على الحفاظ على محافظها الحالية. ومع عودة الثقة خلال العام القادم ونظراً للتوقعات التي تبشر بالمزيد من الاستقرار في المنطقة، تبحث الشركات مجدداً عن الفرص الجذابة. وفي الوقت ذاته، توجه الشركات اهتمامها بقدر أكبر نحو عمليات التخارج للشركات المشمولة في محافظها من منطلق سعي الشركاء العموميين لتوفير العائدات إلى الشركاء المحدودين."
إن البيئة الحالية تتسم بالتنافسية وهي جاهزة ومؤهلة لتنفيذ عمليات الاندماج؛ هناك عدد من الصناديق الصغيرة يتوقع لها الخروج من السوق. ومعظم صناديق الملكية الخاصة يتراوح حجمها ما بين 91 و192 مليون دولار أميركي ولكن هناك 30 صندوق تقريباً يقل حجمها عن 90 مليون دولار أميركي. والانخفاض في عدد الصناديق سيساعد على تبرير توقعات الأسعار وعلى بلوغ مستوى أعلى من الحرفية في هذا القطاع حيث أنها وحدها الشركات الأقدر ستستطيع أن تستمر في هذه البيئة التنافسية. وعدد الصفقات التي سجلت في عام 2012 أحسن من عددها في عام 2011. والشركات التي لديها تاريخ في المنطقة وتمتلك الخبرات والمهارات المحلية مثل "جلف كابيتال" هي التي تنفذ الصفقات.
بالرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا تشهد سلسلة من التغيرات التاريخية في بيئاتها السياسية والتي تؤدي إلى الغموض والاضطرابات الاقتصادية، إلا أنها تظل منطقة تتسم بعوامل ديموغرافية قوية تتمثل في كتل سكانية شابة ومتنامية وتزايد ثراء وشهية وتطور المستهلكين بالإضافة إلى التوجه المتسارع نحو التصنيع والمدنية. وكل هذه العوامل يدعمها عدد من الحكومات الإقليمية المصممة على استغلال مواردها المالية الشاسعة من أجل التحفيز على المزيد من الثراء والفرص لدعم الاستقرار الاجتماعي والسياسي. ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت وستظل بيئة صعبة بالنسبة للملكية الخاصة ولكنها أيضاً منطقة اقتصادية مغرية وغير مُستغلة والتي توفر فرص نمو هائلة لشركات الملكية الخاصة ذات الخبرات والمهارات المحلية التي تؤهلها لاستغلال هذه الفرص قبل غيرها.
